كتاب مفتوح إلى السيدة الأولى وفاء سليمان
أنا امرأة لبنانية أبلغ من العمر 22 عاماً، من أسرة متواضعة جدا، ولدت وكبرت في الضاحية الجنوبية لبيروت، درست في المدرسة الرسمية ونلت شهادتي الجامعية من الجامعة اللبنانية. حالياً، أعمل في وظيفة متواضعة تكاد لا تكفي لتغطية نفقات تنقلاتي، وأطمح إلى نيل منحة ما تتيح لي تحصيل شهادتي في الدراسات العليا في مكان ما خارج لبنان، لأن "الماستر" في الجامعة اللبنانية غالبا ما يورث الطلاب "أمراضاً" عصبية وذهنية، وليس باستطاعتي ماديا التسجيل في أي من الجامعات الخاصة.
ما حضني على التوجه إلى حضرتك، دعوة وصلتني قبل أيام لحضور "منتدى المرأة العربية والمستقبل"، بعنوان "منتدى عن القيادة والمسؤولية الاجتماعية" الذي عقد برعايتك يومي الخميس والجمعة (2 و3 كانون الأول الجاري) في بيروت، وتحديدا في فندق "فينيسيا انتركونتيننتال" للعام الرابع على التوالي. توجست خيفة لأن خبرتي القصيرة في مجال قضايا الإنسان والمرأة تحديدا، أكسبتني نفورا من العناوين الكبرى والمؤتمرات البراقة والثمينة، التي عادة ما تجمع النجوم والنجمات على أطباق شهية وأحاديث لذيذة وتغطية إعلامية عابرة للمحيطات، لا يكسب منها شيئا من هم "دون النجوم".
قرأت برنامج المنتدى، ووجدت أن بين العناوين المقرر مناقشتها، ما هو هام وضروري مثل "السياسة، الأعمال والمسؤولية الاجتماعية" و"المرأة والسياسة"، إلا أن الفترة المخصصة لتناول الغداء (ساعة ونصف) كانت أطول من الفترة المخصصة لتناول هاذين الموضوعين (ساعة وربع). قرأت لائحة أسماء الضيفات والضيوف المدعوين لإلقاء الكلمات وإدارة جلسات المنتدى، وللأسف لم يخب ظني: نواب ووزراء ونائبات ومسؤولين ومديرات ومشاهير ونجوم ونجمات، من لبنان والدول العربية. لا أحد بينهم وبينهن يشبهني في المضمون، وعلى الأرجح في الشكل أيضاً.
حضرة السيدة سليمان، إن أزمة هذا المنتدى برأيي ليس فقط أنه يكلّف أكثر بأشواط مما يثمر، ويركز على كرم الضيافة والمظاهر المرتبة والكلمات المنمقة، بل أنه أبعد ما يكون عمن يدّعي تمثيلهن والتحدث باسمهن وعنهن ومن أجلهن. هذا المنتدى لا يمثلني، ولا يمثل أمي التي لم تجر يوماً عملية تجميل، ولا يعبر عن عمتي المطلقة، وخالتي الأرملة، وابنة عمي التي تحمل شهادتين جامعيتين ولا تجد عملا، وجارتنا التي أسمع كل ليلة أنينها تحت قبضة زوجها، وصديقتي الأخرى التي تعجز عن تمرير جنسيتها لزوجها الفلسطيني وأولادها، و"نيليا" العاملة المنزلية الفلبينية التي تحتجز "مدامتها" أوراقها وتمنعها من العودة إلى ديارها.
أيتها السيدة سليمان، إن أردت رعاية منتدى حقيقي، اسألينا نحن النساء الحقيقيات، اسألينا عن تعرضنا للتحرش كل يوم في الشارع وفي الباص رقم "4". اسألي "ماريا" صديقتي، عاملة الجنس، عن ظروف عملها. اسألي "فاديا" في مخيم "صبرا" عن أمها التي توفيت نتيجة إصابتها بفيروس قاتل في الكبد ناجم عن التلوث البيئي، بما أن إحدى الجلسات تناولت موضوع البيئة. اسألي "لما"، صديقتي المثلية عن معاناتها كل يوم في العمل والشارع والمنزل لمجرد أنها لا تريد الزواج. واسألي "رنا" التي تعمل 12 ساعة في اليوم لتدفع نفقات دراستها الجامعية. كذلك بإمكان حضرتك زيارة "خالدة"، الصبية ذات الاحتياجات الخاصة في منزلها، لأنها لا تخرج أبدا من المنزل.
حضرة السيدة سليمان، أنا وصديقاتي "نادين" و"سارة" و"فرح" و"مايا" وكثيرات غيرهن، لم نعرف شيئا عن المنتدى إلا حين تلقينا دعوة لحضوره، وليس للمشاركة فيه كمتحدثات عن تجاربنا الشخصية كنساء وكناشطات في مجال تحقيق العدالة الجندرية. وعلى الرغم من ذلك، كنا لنحضره كي نعبّر وجهاً لوجه عن الأفكار التي سقتها في هذه الرسالة، لولا أن بطاقة الحضور تكلّف 300 دولار، وهو مبلغ يوازي ما أدفعه من إيجار شهري، وضعفي ما تتقاضاه "نيليا". هل يجوز أن يمنعني وضعي المادي من التعبير عن معاناتي وآرائي وتجاربي، في منتدى يدّعي التحدث باسمي وعني؟
حضرة السيدة سليمان، لماذا الإصرار على عقد هذا المنتدى في بيروت وفي فندق "فينيسيا" تحديدا للعام الرابع على التوالي، على الرغم من أنه يدور حول أوضاع "المرأة العربية"؟ هل لأنه "وطن تحرر المرأة والانفتاح والتقدم"؟ عذرا من حضرتك، لكن لو خيّرت بين الرقص كل ليلة في ملاهي "الوطن المتحرر"، أو الحصول على قانون يحميني من العنف الأسري ويتيح لي منح جنسيتي لأولادي في "وطن متخلف"، لاخترت الثاني من دون تفكير. لماذا لا يعقد المنتدى العام المقبل إذا "وقع الخيار" للمرة الخامسة على عقده في لبنان، في مخيم "شاتيلا"، بما أن الفلسطينيات نساء عربيات ومن المستحيل حاليا زيارة فلسطين، كما تدرك جامعة الدول العربية الراعية للمنتدى كذلك؟ من الممكن أيضا عقده في إحدى قرى عكار، أو في سهل البقاع مع المزارعات البقاعيات، أو في قريتي الجنوبية "رب الثلاثين" التي ليس فيها مستوصف طبي تلتجئ إليه النساء المسنات، أو صف واحد يعمل على محو الأمية المستشرية؟ ومن الممكن الاستعانة بطالبات كلية الإعلام العاطلات عن العمل لإدارة جلسات الحوار، ودعوة الناشطات اليافعات للحديث عن تجاربهن، أولئك اللواتي يقضين أيامهن في الشوارع والأماكن الشعبية والتجمعات النسائية العفوية، وبذلك يستثمر المبلغ المخصص لتنظيم المنتدى، في دعم النساء للبدء بمشاريع عمل صغيرة يعتشن منها.
حضرة السيدة سليمان، في اليوم الأول للمؤتمر، وزعت الجوائز التقديرية بين الساعة العاشرة والعاشرة والربع صباحا، على ثلاث نساء شهيرات صاحبات انجازات تستحق التقدير، لكن هناك فكرة تنتابني بقسوة ولا يسعني إلا التعبير عنها: ألا تستحق جارتنا "أم حسين" جائزة تقديرية، تلك التي تخبز الصاج يومياً لتطعم أربعة أولاد تركهم لها زوجها الذي استشهد في حرب تموز في الجنوب؟ فكرة أخرى تنتابني أيضا فيما أقرأ عن الفترة التي خصصت في اليوم الثاني لثماني نساء شهيرات أيضا لتوقيع كتبهن الصادرة حديثا: ألا تستحق "سناء"، الكاتبة العشرينية الموهوبة، دعما ولو صغيرا لتحقق حلمها بإصدار أول ديوان لها، هي التي تحاول منذ سنتين تجميع مبلغ ألف دولار لهذا الغرض؟
حضرة السيدة الأولى، كان لدي الكثير لأقول في فترة "الحوار المفتوح" الذي اختتم به المؤتمر، لكني للأسف لم أحضر لأني لم أتمكن من تدبر مبلغ 300 دولار أميركي، فاضطررت إلى التوجه إلى حضرتك عبر الصحافة. لا أعرف ما طبيعة الحوارات التي جرت في المنتدى والأفكار التي طرحت، وقد لا يقدّر لي أن أعرف العام المقبل أيضا، لكن ما أنا على يقين منه بالرغم من صغر سني وقلة حيلتي وخبرتي، أنه لو أريد لهذا المنتدى أن يكون حقيقيا وفاعلا وناجحا، عليه أن يكون أقرب إلى التراب منه إلى النجوم، فالقائدة التي لا تمسك الوحل بكفيها وتنظر وجها لوجه في عيني القذارة والفقر والبشاعة، لا تستحق أن نؤمن بها.
ما حضني على التوجه إلى حضرتك، دعوة وصلتني قبل أيام لحضور "منتدى المرأة العربية والمستقبل"، بعنوان "منتدى عن القيادة والمسؤولية الاجتماعية" الذي عقد برعايتك يومي الخميس والجمعة (2 و3 كانون الأول الجاري) في بيروت، وتحديدا في فندق "فينيسيا انتركونتيننتال" للعام الرابع على التوالي. توجست خيفة لأن خبرتي القصيرة في مجال قضايا الإنسان والمرأة تحديدا، أكسبتني نفورا من العناوين الكبرى والمؤتمرات البراقة والثمينة، التي عادة ما تجمع النجوم والنجمات على أطباق شهية وأحاديث لذيذة وتغطية إعلامية عابرة للمحيطات، لا يكسب منها شيئا من هم "دون النجوم".
قرأت برنامج المنتدى، ووجدت أن بين العناوين المقرر مناقشتها، ما هو هام وضروري مثل "السياسة، الأعمال والمسؤولية الاجتماعية" و"المرأة والسياسة"، إلا أن الفترة المخصصة لتناول الغداء (ساعة ونصف) كانت أطول من الفترة المخصصة لتناول هاذين الموضوعين (ساعة وربع). قرأت لائحة أسماء الضيفات والضيوف المدعوين لإلقاء الكلمات وإدارة جلسات المنتدى، وللأسف لم يخب ظني: نواب ووزراء ونائبات ومسؤولين ومديرات ومشاهير ونجوم ونجمات، من لبنان والدول العربية. لا أحد بينهم وبينهن يشبهني في المضمون، وعلى الأرجح في الشكل أيضاً.
حضرة السيدة سليمان، إن أزمة هذا المنتدى برأيي ليس فقط أنه يكلّف أكثر بأشواط مما يثمر، ويركز على كرم الضيافة والمظاهر المرتبة والكلمات المنمقة، بل أنه أبعد ما يكون عمن يدّعي تمثيلهن والتحدث باسمهن وعنهن ومن أجلهن. هذا المنتدى لا يمثلني، ولا يمثل أمي التي لم تجر يوماً عملية تجميل، ولا يعبر عن عمتي المطلقة، وخالتي الأرملة، وابنة عمي التي تحمل شهادتين جامعيتين ولا تجد عملا، وجارتنا التي أسمع كل ليلة أنينها تحت قبضة زوجها، وصديقتي الأخرى التي تعجز عن تمرير جنسيتها لزوجها الفلسطيني وأولادها، و"نيليا" العاملة المنزلية الفلبينية التي تحتجز "مدامتها" أوراقها وتمنعها من العودة إلى ديارها.
أيتها السيدة سليمان، إن أردت رعاية منتدى حقيقي، اسألينا نحن النساء الحقيقيات، اسألينا عن تعرضنا للتحرش كل يوم في الشارع وفي الباص رقم "4". اسألي "ماريا" صديقتي، عاملة الجنس، عن ظروف عملها. اسألي "فاديا" في مخيم "صبرا" عن أمها التي توفيت نتيجة إصابتها بفيروس قاتل في الكبد ناجم عن التلوث البيئي، بما أن إحدى الجلسات تناولت موضوع البيئة. اسألي "لما"، صديقتي المثلية عن معاناتها كل يوم في العمل والشارع والمنزل لمجرد أنها لا تريد الزواج. واسألي "رنا" التي تعمل 12 ساعة في اليوم لتدفع نفقات دراستها الجامعية. كذلك بإمكان حضرتك زيارة "خالدة"، الصبية ذات الاحتياجات الخاصة في منزلها، لأنها لا تخرج أبدا من المنزل.
حضرة السيدة سليمان، أنا وصديقاتي "نادين" و"سارة" و"فرح" و"مايا" وكثيرات غيرهن، لم نعرف شيئا عن المنتدى إلا حين تلقينا دعوة لحضوره، وليس للمشاركة فيه كمتحدثات عن تجاربنا الشخصية كنساء وكناشطات في مجال تحقيق العدالة الجندرية. وعلى الرغم من ذلك، كنا لنحضره كي نعبّر وجهاً لوجه عن الأفكار التي سقتها في هذه الرسالة، لولا أن بطاقة الحضور تكلّف 300 دولار، وهو مبلغ يوازي ما أدفعه من إيجار شهري، وضعفي ما تتقاضاه "نيليا". هل يجوز أن يمنعني وضعي المادي من التعبير عن معاناتي وآرائي وتجاربي، في منتدى يدّعي التحدث باسمي وعني؟
حضرة السيدة سليمان، لماذا الإصرار على عقد هذا المنتدى في بيروت وفي فندق "فينيسيا" تحديدا للعام الرابع على التوالي، على الرغم من أنه يدور حول أوضاع "المرأة العربية"؟ هل لأنه "وطن تحرر المرأة والانفتاح والتقدم"؟ عذرا من حضرتك، لكن لو خيّرت بين الرقص كل ليلة في ملاهي "الوطن المتحرر"، أو الحصول على قانون يحميني من العنف الأسري ويتيح لي منح جنسيتي لأولادي في "وطن متخلف"، لاخترت الثاني من دون تفكير. لماذا لا يعقد المنتدى العام المقبل إذا "وقع الخيار" للمرة الخامسة على عقده في لبنان، في مخيم "شاتيلا"، بما أن الفلسطينيات نساء عربيات ومن المستحيل حاليا زيارة فلسطين، كما تدرك جامعة الدول العربية الراعية للمنتدى كذلك؟ من الممكن أيضا عقده في إحدى قرى عكار، أو في سهل البقاع مع المزارعات البقاعيات، أو في قريتي الجنوبية "رب الثلاثين" التي ليس فيها مستوصف طبي تلتجئ إليه النساء المسنات، أو صف واحد يعمل على محو الأمية المستشرية؟ ومن الممكن الاستعانة بطالبات كلية الإعلام العاطلات عن العمل لإدارة جلسات الحوار، ودعوة الناشطات اليافعات للحديث عن تجاربهن، أولئك اللواتي يقضين أيامهن في الشوارع والأماكن الشعبية والتجمعات النسائية العفوية، وبذلك يستثمر المبلغ المخصص لتنظيم المنتدى، في دعم النساء للبدء بمشاريع عمل صغيرة يعتشن منها.
حضرة السيدة سليمان، في اليوم الأول للمؤتمر، وزعت الجوائز التقديرية بين الساعة العاشرة والعاشرة والربع صباحا، على ثلاث نساء شهيرات صاحبات انجازات تستحق التقدير، لكن هناك فكرة تنتابني بقسوة ولا يسعني إلا التعبير عنها: ألا تستحق جارتنا "أم حسين" جائزة تقديرية، تلك التي تخبز الصاج يومياً لتطعم أربعة أولاد تركهم لها زوجها الذي استشهد في حرب تموز في الجنوب؟ فكرة أخرى تنتابني أيضا فيما أقرأ عن الفترة التي خصصت في اليوم الثاني لثماني نساء شهيرات أيضا لتوقيع كتبهن الصادرة حديثا: ألا تستحق "سناء"، الكاتبة العشرينية الموهوبة، دعما ولو صغيرا لتحقق حلمها بإصدار أول ديوان لها، هي التي تحاول منذ سنتين تجميع مبلغ ألف دولار لهذا الغرض؟
حضرة السيدة الأولى، كان لدي الكثير لأقول في فترة "الحوار المفتوح" الذي اختتم به المؤتمر، لكني للأسف لم أحضر لأني لم أتمكن من تدبر مبلغ 300 دولار أميركي، فاضطررت إلى التوجه إلى حضرتك عبر الصحافة. لا أعرف ما طبيعة الحوارات التي جرت في المنتدى والأفكار التي طرحت، وقد لا يقدّر لي أن أعرف العام المقبل أيضا، لكن ما أنا على يقين منه بالرغم من صغر سني وقلة حيلتي وخبرتي، أنه لو أريد لهذا المنتدى أن يكون حقيقيا وفاعلا وناجحا، عليه أن يكون أقرب إلى التراب منه إلى النجوم، فالقائدة التي لا تمسك الوحل بكفيها وتنظر وجها لوجه في عيني القذارة والفقر والبشاعة، لا تستحق أن نؤمن بها.